فصل: (سورة العاديات: آية 3)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{وَالْعادِياتِ ضَبْحًا فَالْمُورِياتِ قَدْحًا فَالْمُغِيراتِ صُبْحًا} الواو حرف قسم وجر و{العاديات} مجرور بواو القسم والجار المجرور متعلقان بفعل القسم المحذوف و{ضبحا} مفعول مطلق لفعل محذوف أي يضبحن ضبحا وهذا الفعل المقدّر حال من {العاديات} ويجوز أن تعرب حالا أي ضابحات.
وقال الخطيب وانتصاب {ضبحا} على تقدير فعل أي يضبحن ضبحا أو بالعاديات كأنه قيل والضابحات ضبحا لأن الضبح لا يكون إلا مع العدو أو على الحال أي ضابحات، والفاء عاطفة والموريات عطف على {العاديات} و{قدحا} فيه الأوجه الثلاثة التي في {ضبحا}.
قال الزمخشري وانتصب {قدحا} بما انتصب به {ضبحا} والفاء عاطفة والمغيرات نسق أيضا على {العاديات} و{ضبحا} نصب على الظرفية أي التي تغير في وقت الصبح وهو متعلق بالمغيرات.
قال أبو حيان وأجاد: وفي هذا دليل على أن هذه الأوصاف لذات واحدة لعطفها بالفاء التي تقتضي التعقيب والظاهر أنها الخيل التي يجاهد عليها العدو من الكفار ولا يستدل على أنها الإبل بوقعة بدر وإن لم يكن فيها إلا فرسان اثنان لأنه لم يذكر أن سبب نزول هذه السورة هو وقعة بدر ثم بعد ذلك لا يكاد يوجد أن الإبل جوهد عليها في سبيل اللّه بل المعلوم أنه لا يجاهد في سبيل اللّه تعالى إلا على الخيل في شرق البلاد وغربها. قال هذا في معرض ردّه على من فسّر العاديات بالإبل.
{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} الفاء حرف عطف وأثرن فعل ماض مبني على السكون والنون فاعل والعطف على فعل ومنع اسم الفاعل موضعه لأن المعنى واللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن، و{به} متعلقان بأثرن و{نقعا} مفعول به والضمير في {به} يعود على الوادي وإن لم يتقدم له ذكر وهو مكان العدو وقيل يعود على الصبح أي فأثرن به في وقت الصبح.
قال أبو حيان: وهذا أحسن من الأول لأنه مذكور بالصريح.
وعلى كلّ من التفسيرين فالباء من به بمعنى في وكل ما يتعدى بفي يتعدى بالباء ولا عكس.
والفاء عاطفة ووسطن فعل ماض مبني على السكون ونون النسوة فاعل و{به} متعلقان بوسطن والضمير يعود على الصبح كما تقدم أو على النقع فالباء للتعدية وعلى الأول للظرفية وقيل إن الباء حالية أي فتوسطن ملتبسات بالغبار فتكون متعلقة بمحذوف على أنه حال.
ونقل أبو البقاء وجها غريبا لم أجد له مبررا وهو أنها زائدة و{جمعا} مفعول أثرن وأغرب أبو البقاء أيضا فجعلها حالا لأنه جعل الباء زائدة في المفعول به وليس بذاك، وأسف ابن خالويه فأعرب جمعا ظرفا ولست أدري ولا المنجّم يدري كيف استقام له.
{إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} الجملة لا محل لها من الإعراب لأنها جواب القسم و{إن} حرف مشبّه بالفعل و{الإنسان} اسمها و{لربه} متعلقان بكنود واللام المزحلقة وكنود خبر إن والألف واللام في الإنسان للجنس وقيل للكافر والأول أولى لأن طبع الإنسان مجبول على ذلك يهيب به إلى الشر إلا من عصمه اللّه.
{وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ} عطف على الجملة السابقة وهو المقسم عليه الثاني وإن واسمها وعلى ذلك متعلقان بشديد واللام المزحلقة وشديد خبر إن أي يشهد على نفسه بصنعه والشهادة بالقوة التي تبد في آثار أعماله الواضحة وشواهدها الفاضحة.
وأجاز الزمخشري أن يعود الضمير على اللّه فقال: وقيل وإن اللّه على كنوده لشاهد على سبيل الوعيد.
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} منسوق على ما تقدم وهو المقسم عليه الثالث وإن واسمها و{لحب الخير} متعلقان بشديد واللام للتقوية والمعنى إنه لقوي مطيق لحب الخير، يقال هو شديد لهذا الأمر أي مطيق له وقيل اللام للتعليل أي وأنه لأجل حب المال لشديد واللام المزحلقة وشديد خبرها وأراد بالخير المال والشديد البخيل الممسك يقال: فلان شديد ومتشدّد قال طرفة:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ** عقيلة مال الفاحش المتشدّد

وعبارة ابن خالويه: والخير المال هاهنا كما قال تعالى: {إن ترك خيرا} أي مالا و{الخير} الخيل من قوله تعالى: {إني أحببت حبّ الخير عن ذكر ربي} يعني الخيل والخير الخمر تقول العرب ما عنده خل ولا خمر أي لا شر ولا خير ويجمع الخير خيورا والشر شرورا.
قلت: لم أر في ما لدي من المعاجم هذا المعنى للخير أي الخمر وما كنت لأسجّل هذه الملاحظة لأن ابن خالويه من الأئمة المشهود لهم بالحفظ ولكني سجلت ملاحظتي تعليقا على إيراده المثل فالسياق الذي أورده فيه يدل على أن الخير قد يراد به الخمر ولكن المثل لم يرد ذلك قطعا وإنما جعل الشر خلا والخير خمرا على سبيل التشبيه فقولهم في المثل ما عنده خل ولا خمر يريدون به ما عنده خير ولا شر وقولهم: ما أنت بخل ولا خمر المراد به ما أشار إليه الميداني وغيره من أنه كان بعض العرب يجعلون الخير خمرا للذتها والخل شرا لحموضته ولأنه لا يقدر الإنسان على شربه.
{أَفَلا يعلم إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ} الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء للعطف على مقدّر يقتضيه المقام أي أيفعل ما يفعل من المقابح فلا يعلم، و{لا} نافية و{يعلم} فعل مضارع مرفوع و{إذا} ظرف لمجرد الظرفية، قال زاده: لا يجوز أن يكون ظرفا ليعلم لأن الإنسان لا يراد منه العلم في ذلك الوقت وإنما يراد منه ذلك وهو في الدنيا، ولا يجوز أن يكون ظرفا لـ: {بعثر} لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا لقوله: {خبير} لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها فتعين أن يكون العامل فيه ما دلّ عليه قوله: {إن ربهم بهم يومئذ لخبير}، أي أفلا يعلم الإنسان في الدنيا أنه تعالى يجازيه إذا بعثر ومعنى علم اللّه تعالى بهم يوم القيامة مجازاته لهم.
وجملة {بعثر} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{ما} موصول نائب فاعل {بعثر} و{في القبور} متعلقان بمحذوف لا محل له لأنه صلة ما.
{وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ} منسوق على {بعثر ما في القبور} و{حصل} فعل ماض مبني للمجهول أي جمع في الصحف وأظهر مفصلا مجموعا وقيل ميّز بين خيره وشره وسمينه وغثّه.
قال زاده: وخصّ أعمال القلوب بالذكر وترك ذكر أعمال الجوارح لأنها تابعة لأعمال القلوب فإنه لولا تحقق البواعث والإرادات في القلوب لما حصلت أفعال الجوارح. وهذا كلام جيد فتدبره.
{إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} الجملة تعليل لعامل إذا المحذوف وهو مفعول {يعلم} أي أفلا يعلم أنّا نجازيه وقت ما ذكر ثم علّل ذلك بقوله: {إن ربهم...} إلخ وإن واسمها و{بهم} متعلقان بخبير و{يومئذ} ظرف متعلق بخبير أيضا واللام المزحلقة وخبير خبر إن.

.البلاغة:

1- في المخالفة بين المعطوف والمعطوف عليه بقوله: {فأثرن به نقعا} إذ عطف الفعل على الاسم الذي هو العاديات وما بعده لأنها أسماء فاعلين تعطي معنى الفعل سر بديع، وهو تصوير هذه الأفعال في النفس وتجسيدها أمام العين، فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف وهو أبلغ من التصوير والتجسيد بالأسماء المتناسقة وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي وقد تقدمت له شواهد أقربها قول عمرو بن معد يكرب:
بأني قد لقيت الغول تهوي ** بسهب كالصحيفة صحصحان

فأضربها بلا دهش فخرت ** صريعا لليدين وللجران

2- وفي قوله: {فالموريات قدحا} استعارة في الخيل تشعل الحرب فهي استعارة تصريحية شبّه الحرب بالنار المشتعلة وحذف المشبه وأبقى المشبه به قال تعالى: {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه}، ويقال حمى الوطيس إذا اشتدت الحرب.
3- وفي قوله: {إن ربهم بهم يومئذ لخبير} تجنيس التحريف وبعضهم يسمّيه (الجناس المحرّف) وهو الذي يكون الضبط فيه فارقا بين الكلمتين أو بعضهما، وهو أيضا ما اتفق ركناه في أعداد الحروف واختلفا في الحركات سواء كانا من اسمين أو فعلين أو اسم وفعل أو من غير ذلك والغاية فيه قوله تعالى: {ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} ولا يقال إن اللفظين متّحدان في المعنى فلا يكون بينهما تجانس لأنّا نقول المراد بالأول اسم الفاعل وبالثاني اسم المفعول فالاختلاف ظاهر ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللّهمّ كما حسنت خلقي فحسّن خلقي» ومثله قولهم جبة البرد جنة البرد ومنه قولهم: رطب الرطب ضرب من الضرب، ومن الشعر قول أبي تمام:
هنّ الحمام فإن كسرت عيافة ** من خائهنّ فإنهنّ حمام

ومثله قول المعرّي:
والحسن يظهر في شيئين رونقه ** بيت من الشعر أو بيت من الشعر

وله أيضا:
لغيري زكاة من جمال فإن تكن ** زكاة جمال فاذكري ابن سبيل

4- في قوله: {وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد} الجناس اللاحق وهو الذي أبدل أحد ركنيه حرف واحد بغيره من غير مخرجه سواء كان الإبدال في الأول أو الوسط أو الآخر وإن كان ما أبدل منه من مخرجه سمي مضارعا، فمثال الإبدال من الأول قوله تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} والآية التي نحن بصددها مثال الإبدال من الوسط، ومثال الإبدال من الآخر قوله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن} ومن الأحاديث على هذا النمط أيضا من الأول قوله عليه السلام: «الحمد للّه الذي حسّن خلقي وزان منّي ما شان من غيري» ومن الثاني حديث الطبراني «لولا رجال ركّع وصبيان رضّع وبهائم رتّع» ومن الثالث حديث الطبراني أيضا «لن تفنى أمتي حتى يظهر فيهم التمايز والتمايل». وحديث الديلمي أيضا «أحب المؤمنين إلى اللّه من نصّب نفسه في طاعة اللّه ونصح لأمة محمد» ومن الأمثلة الشعرية على هذا الترتيب المذكور أيضا قول أبي فراس:
إن الغني هو الغني بنفسه ولو ** أنه عاري المناكب حافي

ما كل ما فوق البسيطة كافيا ** وإذا قنعت فكل شيء كافي

ومن الثاني قول البحتري:
و قعودي عن التقلب والأر ** ض لمثلي رحيبة الأكناف

ليس عن ثروة بلغت مداها ** غير أنّي أمرؤ كفاني كفافي

ومن الثالث قول بعضهم:
شوقي لذاك المحيا الزاهر الزاهي ** شوق شديد وجسمي الواهن الواهي

أسهرت طرفي وولهت الفؤاد هوى ** فالقلب والطرف بين الساهر الساهي

.اهـ.

.قال أبو البقاء العكبري:

سورة العاديات:
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: {ضبحا} مصدر في موضع الحال: أي والعاديات ضابحة، و{قدحا} مصدر مؤكد لأن المورى القادح، و{صبحا} ظرف، والهاء ضمير الوادي، ولم يجر له ذكر هنا، و{جمعا} حال، وبه حال أيضا، وقيل الباء زائدة: أي وسطنه، و{لربه} تتعلق بكنود: أي كفور لنعم ربه، و{لحب الخير} يتعلق بشديد: أي يتشدد لحب جمع المال، وقيل هي بمعنى على.
قوله تعالى: {إذا بعثر} العامل في إذا يعلم، وقيل العامل فيه مادل عليه خبر إن.
والمعنى: إذا بعثر جوزوا، و{يومئذ} يتعلق بخبير، والله أعلم. اهـ.

.قال حميدان دعاس:

سورة العاديات:
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة العاديات: آية 1]

{وَالْعادِياتِ ضَبْحًا (1)}
{وَالْعادِياتِ} جار ومجرور متعلقان بفعل قسم محذوف {ضَبْحًا} مفعول مطلق لفعل محذوف. والجملة الفعلية في محل نصب حال.

.[سورة العاديات: آية 2]

{فَالْمُورِياتِ قَدْحًا (2)}
{فَالْمُورِياتِ} معطوف على {العاديات} {قَدْحًا} حال.

.[سورة العاديات: آية 3]

{فَالْمُغِيراتِ صُبْحًا (3)}
{فَالْمُغِيراتِ} معطوف على {العاديات} {صُبْحًا} ظرف زمان.

.[سورة العاديات: آية 4]

{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)}
{فَأَثَرْنَ} ماض مبني على السكون والنون فاعله {بِهِ} متعلقان بالفعل {نَقْعًا} مفعول به والجملة معطوفة على ما قبلها.

.[سورة العاديات: آية 5]

{فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)}
معطوفة على ما قبلها وإعرابها مثله.

.[سورة العاديات: آية 6]

{إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)}
{إِنَّ الإنسان} إن واسمها {لِرَبِّهِ} متعلقان بما بعدهما {لَكَنُودٌ} اللام المزحلقة {كنود} خبر إن والجملة الاسمية جواب قسم لا محل لها.

.[سورة العاديات: آية 7]

{وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (7)}
{وَإِنَّهُ} إن واسمها {عَلى ذلِكَ} متعلقان بما بعدهما {لَشَهِيدٌ} اللام المزحلقة {شهيد} خبر إن والجملة معطوفة على ما قبلها.